تعتبر العمرة رحلة إيمانية عميقة، وزيارة إلى أطهر بقاع الأرض، يهدف من خلالها المسلم إلى التقرب من الله وتطهير النفس من الذنوب. ورغم بساطة مناسكها مقارنة بالحج، إلا أن أداءها بالشكل الصحيح يتطلب معرفة دقيقة بخطواتها وأركانها.
هذا الدليل الشامل سيأخذ بيدك خطوة بخطوة، من لحظة عقد النية في الميقات حتى إتمام المناسك والتحلل من الإحرام.
المرحلة الأولى: قبل الإحرام (الاستعداد والنية)
قبل الوصول إلى الميقات، هناك استعدادات جسدية وروحية ضرورية:
- الاستعداد الروحي: أخلص النية لله وحده، واستغفر لذنبك، وسامح من أسأت إليهم، واطلب منهم المسامحة. العمرة رحلة تبدأ بقلب نقي.
- الاستعداد الجسدي: يُستحب تقليم الأظافر وحلق شعر العانة والإبط، ثم الاغتسال (الغسل سنة مؤكدة) أو على الأقل الوضوء.
- تجهيز الملابس: يرتدي الرجل لباس الإحرام، وهو إزار ورداء أبيضان غير مخيطين. أما المرأة، فترتدي ملابسها العادية الساترة التي لا تحمل زينة ولا تشبهاً بملابس الرجال.
الخطوة الأولى: الإحرام من الميقات
الإحرام هو نية الدخول في النسك، وهو الركن الأول من أركان العمرة.
- الوصول إلى الميقات: الميقات هو المكان المحدد شرعاً الذي لا يجوز تجاوزه دون إحرام لمن ينوي الحج أو العمرة. (مثال: ميقات “ذي الحليفة” لأهل المدينة، و”يلملم” لأهل اليمن، و”الجحفة” لأهل الشام ومصر).
- عقد النية: بعد ارتداء ملابس الإحرام، تنوي بقلبك أداء العمرة ثم تتلفظ بها قائلاً: “لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ عُمْرَةً”.
- التلبية: من لحظة الإحرام، تبدأ في ترديد التلبية بصوت جهوري للرجال وسرّي للنساء:
“لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ”.
وتستمر في التلبية طوال طريقك إلى مكة حتى تبدأ في الطواف.
ملاحظة هامة: بمجرد الإحرام، تدخل في “محظورات الإحرام”، مثل عدم تقليم الأظافر أو قص الشعر، عدم استخدام الطيب، عدم تغطية الرأس للرجل، وعدم الجدال أو الفسوق.
الخطوة الثانية: الطواف حول الكعبة المشرفة
عند وصولك إلى المسجد الحرام، تتوقف عن التلبية وتستعد للطواف، وهو الركن الثاني.
- دخول المسجد الحرام: ادخل بقدمك اليمنى وقل: “بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك”.
- بداية الطواف: اتجه نحو الحجر الأسود لتبدأ الشوط الأول.
- الاضطباع (للرجال فقط): اجعل وسط ردائك تحت إبطك الأيمن وطرفيه على كتفك الأيسر، بحيث يكون كتفك الأيمن مكشوفاً طوال أشواط الطواف السبعة.
- استقبال الحجر الأسود: استقبل الحجر الأسود، وإن استطعت تقبيله دون مزاحمة فافعل، وإلا فاستلمه بيدك وقبّل يدك، وإن لم تستطع فأشر إليه بيدك اليمنى مرة واحدة وقل: “بسم الله، والله أكبر”.
- أداء الأشواط السبعة:
- اجعل الكعبة عن يسارك وابدأ بالطواف عكس اتجاه عقارب الساعة.
- الرَّمَل (للرجال فقط): يُسنّ للرجال الهرولة (المشي السريع مع تقارب الخطى) في الأشواط الثلاثة الأولى فقط.
- الدعاء والذكر: ادعُ بما تشاء من خيري الدنيا والآخرة، واقرأ القرآن، أو سبّح الله وهلّله وكبّره. ليس هناك دعاء محدد لكل شوط.
- الركن اليماني: كلما مررت بالركن اليماني (الركن الذي يسبق الحجر الأسود)، استلمه بيدك اليمنى إن تيسر (دون تقبيل) وقل “بسم الله والله أكبر”، وإن لم يتيسر فلا تشر إليه.
- بين الركنين: يُستحب أن تقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”.
- إتمام الطواف: عند إتمام سبعة أشواط، ينتهي الطواف عند الحجر الأسود.
- صلاة ركعتي الطواف:
- بعد انتهاء الطواف، قم بتغطية كتفك الأيمن.
- صلِّ ركعتين خلف مقام إبراهيم إن أمكن، أو في أي مكان آخر في المسجد الحرام. تقرأ في الركعة الأولى سورة “الكافرون” وفي الثانية سورة “الإخلاص” بعد الفاتحة.
- شرب ماء زمزم: يُستحب الشرب من ماء زمزم بعد الصلاة والدعاء بما تشاء.
الخطوة الثالثة: السعي بين الصفا والمروة
السعي هو الركن الثالث من أركان العمرة، وهو يرمز إلى سعي السيدة هاجر بحثاً عن الماء لابنها إسماعيل عليهما السلام.
- الاتجاه إلى الصفا: اذهب إلى جبل الصفا واقرأ عند الاقتراب منه قول الله تعالى: “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ”.
- الدعاء عند الصفا: اصعد على الصفا واستقبل الكعبة وارفع يديك وادعُ الله بما شئت، وكبّر ثلاثاً وقل: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده”.
- بداية السعي: انزل من الصفا واتجه نحو المروة ماشياً.
- الهرولة بين الميلين الأخضرين (للرجال فقط): عندما تصل إلى المنطقة المحددة بالأضواء الخضراء، يُسنّ للرجل أن يهرول حتى يصل إلى الضوء الأخضر التالي، ثم يعود للمشي الطبيعي.
- الوصول إلى المروة: عند وصولك إلى المروة، اصعد عليها واستقبل القبلة وادعُ الله كما فعلت على الصفا. بهذا تكون قد أتممت الشوط الأول.
- إتمام الأشواط السبعة: العودة من المروة إلى الصفا تعتبر شوطاً ثانياً. استمر على هذا النحو حتى تكمل سبعة أشواط، بحيث يبدأ السعي بالصفا وينتهي بالمروة.
الخطوة الرابعة: التحلل من الإحرام (الحلق أو التقصير)
هذا هو الواجب الأخير في العمرة، وبه تتحلل من إحرامك.
- للرجال: الأفضل هو الحلق (حلاقة كامل شعر الرأس)، ويجوز التقصير (قص جزء من كل شعر الرأس).
- للنساء: تقوم المرأة بقص قدر أنملة (طرف الإصبع) من أطراف شعرها.
بمجرد الحلق أو التقصير، تكون قد أتممت عمرتك، وتُرفع عنك جميع محظورات الإحرام.
طواف الوداع (مستحب وليس واجباً في العمرة)
طواف الوداع واجب في الحج، ولكنه مستحب وسنة لمن أدى العمرة وأراد مغادرة مكة المكرمة. وهو طواف من سبعة أشواط حول الكعبة دون سعي بعده، ليكون آخر عهدك بالبيت الحرام.
عمرة مقبولة وذنب مغفور بإذن الله. نتمنى لك رحلة إيمانية مباركة تغير حياتك إلى الأفضل.

Hi, this is a comment.
To get started with moderating, editing, and deleting comments, please visit the Comments screen in the dashboard.
Commenter avatars come from Gravatar.